مكافحة الإيدز من منظور إسلامي
أ.د. مالك بدري*
2006-12-13
الإيدز مرض فتاك لم تعرف البشرية مثله من قبل ، وقد أثبتت أحدث الأبحاث التي اهتمت بالتعرف على مصدر هذا الوباء والأسباب الحقيقة التي فجرته صدق وإعجاز الحديث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام الذي أوضح فيه أن انتشار الفاحشة واللواط في أي مجتمع إنساني يصل إلى حد الجرأة بالممارسة العلنية للفاحشة يؤدي حتماً إلى إصابة الناس بوباء جديد لم يعرفه الآباء والأجداد من قبل .
ففي سنن ابن ماجة (ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ) وفي هذا الحديث النبوي رسالة مزدوجة إلى عالمنا الحديث الغارق في الشهوات والمنكرات، تبين أن الوباء عقاب لارتكاب الفاحشة والجراءة في إظهارها ،كما يتناول الحديث التنبأ بظهور الطفرات الجينية التي تتولد عنها الأمراض الجديدة.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة بطلان النظريات القائلة بأن وباء الإيدز جاء من القرود ثم تخطى الفروق بين الإنسان والحيوان ليصيب سكان إفريقيا الوسطى وغيرها من البلدان المجاورة ، وأن بعض مواطني هايتي الذين كانوا يعملون في إفريقيا الوسطى نقلوا الفيروس إلى أمريكا، وواضح لكل ذي عقل مميز أن هذه النظرية تحمل في جوفها تحاملاً واحتقاراً من الغربيين البيض لزنوج إفريقيا لأنها تقول إن الطفرة الجينية بين القرود والإنسان الإفريقي ليست كبيرة ، وأنه لولا هذا الإفريقي الأسود لما أصيب الرجل الأبيض بالفيروس!
والحقيقة أن الإيدز نتاج طبيعي للثورة الجنسية المعاصرة ولي كتاب بهذا العنوان بالإنجليزية . فبسبب فجور الأمريكيين الشاذين حدثت طفرات جينية للفيروس ، والأبحاث الحديثة كشفت لنا كيف تتبدل الصفات الوراثية للجراثيم عندما تتغير البئية التي اعتادت الحياة فيها ، وأن فيروس الإيدز قد تغير من قط أليف إلى نمر مفترس بسبب تغير بيئته في الأعضاء التناسلية وفي أدبار الشاذين المبالغين في ممارسة الفواحش من أمريكيي نهايات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وأول 100 شخص ظهر فيهم هذا المرض كانوا جميعا من الشاذين ، وهذا المرض أول ما ظهر كان اسمه مرض داء المناعة الذي يصيب الشاذين جنسياً ، وبقدرة قادر صار اسم المرض : نقص المناعة المكتسبة.
وقد أوضحت الأبحاث التي ألقيت في المؤتمر العالمي لوباء الإيدز الذي عقد في مدينة تورينتو الكندية في هذا العام 2006م أن انتشار المرض بين أهل اللواط قد تخطى كل التوقعات وأنه ما لم يتوصل العلم إلى مصل مضاد أو عقار يعالج هذا الوباء ربما تصل نسبة المصابين به بين الشاذين إلى أكثر من 50% بعد 40 سنة من الآن، ولكن مما يثير الرعب بين العلماء أن طفرات جديدة في موروثات فيروس الإيدز لا تستجيب إلى العقاقير التي طورت من أجل إطالة أعمار المصابين بالوباء، وأطلقوا على هذا الفيروس الجديد اسم الجرثومة العليا (Super bug) .
مكافحة الإيدز والعلاج السلوكي :
العلاج السلوكي أقصد به هنا تقوية دوافع الفرد لتجنب السلوك المؤدي للإصابة بالمرض يعني تعديل الاتجاهات نحو مرض الإيدز،وعلم النفس الحديث يزعم أن الاتجاهات تتكون من ثلاثة جوانب متداخلة :
1. العامل المعرفي
2. العامل السلوكي العملي
3. العامل الانفعالي العاطفي (الحب والكره والتقزز)
والتصور الإسلامي للاتجاهات يضيف العامل الروحي الديني لتلك الجوانب الثلاثة وهو أهم الدوافع التي أهملتها الدراسات الغربية المادية.
فالعامل المعرفي لا يؤدي بالضرورة إلى تجنب المسائل الضارة وإلا لما وجدنا بين الأطباء من يدخن السجائر أو يشرب الخمر أو يسرف في تناول الطعام،لذلك فشلت التوعية الباردة التي ركزت عليها مؤسسات مكافحة الوباء، فالكل يعرف خطورة المرض ولكن دوافع الجنس والمخدرات كانت أقوى.
فنحن كمتخصصين مسلمين نستخدم الوسائل التربوية والنفسية لمكافحة وباء الإيدز ولكن بعد تأصيلها ووصلها بديننا وثقافتنا، ولا ننقل ما عند الغرب لنعيد تجربته في بلادنا ، إذا كانت الرؤية الغربية للعلاج من هذا المرض الفاتك تركز على التوعية بالإرشادات الصحية التي يجب أن يلتزم بها الناس حتى يتجنبوا الإصابة بالإيدز مثل استخدام الكيس الواقي والإبر النظيفة وتجنب المجموعات الخطرة Risk group كالمومسات والشاذين جنسيا ومتعاطي المخدرات وهذا هو كل ما عند الغربيين،فنحن نملك الوسيلة الأنجع نملك البعد الديني والجانب الروحي في المكافحة الإسلامية.
فاتباع تعاليم الإسلام تكفي لإنقاذ المجتمع من هذا الوباء الخبيث. فالزنا واللواط والمخدرات عندنا من الكبائر التي يتجنبها كثير من المسلمين مما جعل نسبة إصابة سكان الدول الإسلامية هي الأقل في العالم ، هذا بالإضافة إلى ختان الذكور الذي أكدت فائدته جميع الأبحاث الحديثة حتى نصح العلماء الغربييون جميع الذكور بالختان، كذلك الغسل بعد العملية الجنسية له أثره الفعال خصوصاً بالنسبة للرجل.
هذا بالطبع إضافة إلى دور العبادات والذكر والصوم في رفع درجة المسلم الروحية وزيادة مقاومته للإغراءات المؤدية للإصابة بالمرض،والعمل على تزكية مؤسسات المجتمع كالإعلام بوسائله المختلفة.
ولا تقف الرؤية الإسلامية عند وقاية المجتمع من المرض بل تتعدى إلى الذين أصيبوا بالفيروس وعلاجهم علاجاً نفسياً حتى لا ينقلوا المرض إلى غيرهم ويتقبلوا هذا البلاء بالصبر الجميل واحتساب الثواب عليه إن صبروا على ذلك.