هل مخالفة التسعيرة الجبرية معصية ؟ ما هي قيمة الربح المشروعة في التجارة، وهل هناك نص في الشريعة الإسلامية يحددها ؟ وهل من حق الحاكم أن يتدخل لفرض سعر معين يبيع به التجار؟ وما حكم مخالفة التجار أو الحرفيين للتسعيرة التي حددتها الحكومة؟ جزاكم الله عنا كل خير. السؤال
10/12/2006 التاريخ
مجموعة من المفتين المفتي
الحل
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فليس هناك قدر محدد للربح، فللتاجر أن يربح ما شاء، ولكن هناك ضوابط يجب مراعاتها من ذلك أنه يجب على التاجر أن يكون صادقا، فلا يغش ولا يخون، وألا يستغل جهل الناس أو حاجتهم للحصول على الربح الوفير، وليس للحاكم أن يتدخل في تحديد الأسعار إلا إذا تجاوز التجار حدود العرف وأضروا بالسوق ففي هذه الحالة عليه أن يتدخل لرفع الضرر عن الناس، ولا يجوز للبائع ولا للمشتري مخالفة التسعيرة حتى لا يلحق الضرر عموم الناس، وللحاكم أن يضع من القوانين ما يراه كافيا لردع المخالفين.
يقول فضيلة الشيخ عبد الباري الزمزمي –من علماء المغرب-:
ليس للربح التجاري قدر محدود في الشريعة الإسلامية ، فقد ثبت أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعر لهم فأبى وقال : (إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال) (رواه أهل السنن).
ومن الواضح أن الحديث يفيد حرمة تدخل السلطة في تحديد السعر وفرض الثمن المعين على السلع ، لأن ذلك مظنة الظلم ، ولأن مراعاة مصلحة المشتري ليست بأولى من مراعاة مصلحة البائع وقد قال عز وجل
إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)-آية 29 النساء- ، وإلزام البائع أن يبيع بثمن لا يرضاه مناف للتراضي الذي بدونه لا تحل التجارة .
إلا أن التجار إذا رفعوا السعر وتعدوا حدود العرف واضروا بالسوق ووقع الغلاء الفاحش فعند ذلك يشرع للسلطة أن تتدخل بتحديد السعر وفرض الثمن المقبول في السوق صيانة لحقوق الناس ودفعا للضرر الواقع عليهم من جشع التجار. ، وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك وبعض الشافعية وغيرهم من أئمة السلف كسعيد بن المسيب وربيعة بن عبد الرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري .
وفي هذه الحال ما هو القدر الذي ينبغي أن يحدد للتاجر في الربح ؟ إن أحسن ما قيل في هذه المسالة هو العمل بما جرى به العرف والعادة مصداقا لقوله سبحانه وتعالى
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)-آبة 991 الأعراف- ، فإذا دعت الدواعي إلى تحديد السعر فإن ذلك يجب أن يتم بمشاورة أهل الرأي والخبرة التجارية
ويقول الدكتور أحمد بن عبد الرحمن الرشيد -عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-:الأصل في البيع ألّا يحدد بسعر معين ، وإنما يترك الأمر لوضع السوق والمعادلة القائمة بين العرض والطلب ، فإذا زاد العرض انخفض السعر ، وإذا زاد الطلب ارتفع السعر ، وفي هذا الأمر مصلحة لكل الأطراف ، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن الأصل في التسعير هو الحرمة، فلا يجوز إلزام الناس بالتسعير وإنما يتركون يبيعون أموالهم على ما يختارون، والدليل على تحريم التسعير: حديث أنس -رضي الله عنه-، حيث قال: "غلا السعر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فقالوا : يا رسول الله غلا السعر، فسعّر لنا، فقال: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق , إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" رواه أبو داود (3451) وابن ماجة (2200) والترمذي(1314), وقال: حسن صحيح. والمقصود بالتسعير: أن يقدر السلطان أو نائبه للناس سعراً، ويجبرهم على التبايع به.
هذا هو الحكم العام للتسعير ، لكن قد تدعو الحاجة إليه ، وذلك في السلع والبضائع التي لا يمكن الناس الاستغناء عنها ولابد أن تكون متوفرة بسعر ثابت: كبعض أنواع الطعام، والسلاح عند قيام الجهاد ، وبعض الأدوية ، ونحو ذلك ، فهذه الأمور الضرورية قد تدعو المصلحة إلى تسعيرها ووضع سعر معين لها لا يُزاد عليه ولا يُنقص منه . وقد أجاز جمع من أهل العلم هذا الأمر ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (إن لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه) ا.هـ .
وقد ذكر أهل العلم عدداً من الحالات التي يجوز فيها التسعير ؛ تحقيقاً لمصالح الناس ودفعاً للضرر عنهم ، ومن أهمها :
1- إذا زاد أرباب الطعام في ثمن الطعام زيادة فاحشة.
2- إذا كان الناس في حاجة إلى السلعة.
3- إذا حصل احتكار من المنتجين أو التجار .
4- إذا حُصِر البيع لأناس معينين ، وهم من يسمون بالمتعهدين.
ونحو ذلك من الحالات التي يحقق التسعير فيها مصلحةً للمسلمين ، ونستطيع أن نضع ضابطاً لجواز التسعير ، وهو: كلما كانت حاجة الناس لا تندفع إلا بالتسعير , ولا تتحقق مصلحتهم إلا به كان واجبا على الحاكم حقا للعامة.
وبناءً عليه فإن ولي الأمر إذا قام بالتسعير الجائز المذكور قريباً فإنه لا يجوز للبائع ولا للمشتري مخالفته ؛ لأنهما إذا خالفا التسعير الجائز لم يحصل المقصود من مشروعية التسعير وأدى فعلهم هذا إلى الإضرار بعموم الناس ، حيث يحجم البائع عن البيع بالسعر الذي وضعه الحاكم طمعاً في بيعه بأكثر منه ، ويترتب على هذا إضرار بعموم المشترين الذي سعّر الحاكم لأجلهم .
أما إذا كان تسعير الحاكم غير جائز، وإنما هو من باب ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل، وذلك عندما يفرض التسعير لأغراض فاسدة ، فإنه لا عقوبة على من خالفه؛ لأن التسعير في هذه الحالة غير جائز ، فلا تحرم مخالفته.
المصدر اسلام اون لاين