لمّا مرض أبو يوسف قال أبو حنيفة: لئن مات هذا الغلام لم يخلفه أحد على وجه الأرض. فلمّا عوفي أُعجِبَ بنفسه وعقد له مجلساً في الفقه فانصرفت وجوه الناس إليه، فلمّا بلغ ذلك أبا حنيفة قال لبعض من عنده: اذهب إلى مجلس يعقوب ( يعني أبو يوسف) و قل له: ما تقول في قصّار دفع إليه رجل ثوباً ليقصِّره بدرهمين ثم طلب ثوبه فأنكره القصّار ثم عاد له وطلبه فدفعه له مقصوراً، له أجرة ؟ فإن قال نعم قل له أخطأت و إن قال لا قل أخطأت. فسار إليه الرجل فسأله فقال نعم له أجرة فقال له أخطأت، فنظر ساعة فقال لا، فقال أخطأت، فقام من ساعته لأبي حنيفة فلما رآه قال: ما جاء بك إلا مسألة القصّار. قال: أجل. قال: سبحان الله من قعد يفتي الناس و عقد لنفسه مجلساً يتكلم في دين الله تعالى و هذا قدره لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات، فقال: علِّمني، قال: إن كان قصَّره بعد ما غصبه فلا أجرة له لأنه قصَّره لنفسه، فإن قصَّره قبل غصبه فله الأجرة لأنه قصَّره لصاحبه.
فعاد أبو يوسف و لم يترك بعدها مجلس أبي حنيفة قط.