الأصل جواز إعطاء الهدية للبشير ، الذي يخبر بخبر سار كمولود أو قدوم غائب ونحو ذلك من الأخبار السارة .
وقد روى البخاري (4418) ومسلم (2769) في قصة توبة الله تعالى على كعب بن مالك رضي الله بعد تخلفه عن غزوة تبوك ، قال كعب : فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ ، أَبْشِرْ . قَالَ : فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ ، وَآذَنَ [أي : أعلم] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الحديث .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم في ذكر فوائد هذا الحديث :
" الرَّابِعَة وَالْعِشْرُونَ : اِسْتِحْبَاب التَّبْشِير بِالْخَيْرِ . الْخَامِسَة وَالْعِشْرُونَ : اِسْتِحْبَاب تَهْنِئَة مَنْ رَزَقَهُ اللَّه خَيْرًا ظَاهِرًا , أَوْ صَرَفَ عَنْهُ شَرًّا ظَاهِرًا . السَّادِسَة وَالْعِشْرُونَ : اِسْتِحْبَاب إِكْرَام الْمُبَشِّر بِخُلْعَةٍ أَوْ نَحْوهَا " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/94) : " وفي قصة كعب أنه لما جاءه البشير بالتوبة , نزع له ثوبيه وكساهما إياه نظير بشارته ، ونقل الأبي عن القاضي عياض أنه قال : وهذا يدل على جواز البشارة والتهنئة بما يسر من أمور الدنيا والآخرة , وإعطاء الجُعْل [شيء من المال] للمبشر ، وفي حديث كعب : مشروعية الاستباق إلى البشارة بالخير " انتهى .
فمن بُشِّر بمولود استحب له أن يعطي شيئا لمن بشره .
وعلى هذا ؛ فلا حرج في إعطاء الممرضة شيئا من المال لأجل ذلك .
والله أعلم محمود المتولى شرح كتاب الفقه سؤال وجواب