العلاقـــــات الأســـرية
في عصرنا اليوم
مفهوم الأسرة: تلكم النسيج البشري والخلية القاعدية الأولى لبناء صرح المجتمع
هي امرأة ورجل بينهما ميثاق غليظ وعهد موثق , حفاظا على النوع البشري والتناسل
قال الحق سبحانه وتعالى( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) النساء (1).
وعنه صلاة ربي وسلامه عليه قال: ( تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) .
نعم من رجل وامرأة تنطلق السفينة سفينة الحياة ...سفينة الود والرحمة والسكينة والألفة
وإذا ما توسطت كبد البحر بعد مد وجزر وشد ورخاء نرى هاذين الشخصين قد أمسيا جماعة
جماعة صغيرة بإذن من قال الشيئ كن فيكون , ثم بعد ذلك أفراد وعوائل يندرجون تحت لقب عام أو اسم يتميزون به
من رجل وامرأة أنتبه أيها الرجل وأنت أيتها المرأة فأنتما الآن لستما كما كنتما قبلا , أنتما الآن
زوج وزوجة .. ذكر وأنثى [ ألرجولة أدب وليست فقط لقب... والأنوثة حياء وليست أزياء]
فاعتبروا يا أولي الأبصار....................؟
مكونات الأسرة: بالإضافة إلى ما ذكرنا هناك الجد والجدة من جهة الزوجين غالبا ...وترسو السفينة على شاطئ هادئ لتبدأ مرحلة أخرى فتنتشر البشرية وتعمر الأرض
أنواع الأسر: فالأسر أنواع :
1- الأسرة المعينة[ الضيقة] وتضم إلى جانب الزوج والزوجة الأبناء فقط
2- الأسرة المتفرعة[ الممتدة] وهي ذات العدد من أقارب وأجداد وأعمام وأخوال...
3- الأسرة القبلية[ المميزة في العرش] وأعني بها كثيرة العدد والرماد , فهي بهذا تتربع على العرش وتتحكم في زمام شؤونه
4- الأسرة الحضرية[ هي التي تعيش في المدينة] كلنا تركنا البادية ونزحنا زحفا نحو المدينة
5- الأسرة المستبدة[ وهذا النوع نراه يعيش في المدن وقليلا منها ما هو على شفا المدن
6- الأسرة الديمقراطية[ أيضا تتواجد أو يتواجد أغلبها في المدن , سيما المتقدمة منها العواصم الكبرى مثلا. وتقوم العلاقات بين أفرادها على المساواة والتفاهم خاصة بين الزوجين فلا يطفو كيل أحدهما على الآخر. عكس تلكم المستبدة نراها تقوم على مبدأ التسلط والاستبداد ... حيث سيطرة الأب باعتباره السلطة المطلقة داخل الأسرة وهناك لا تمتلك الزوجة المسكينة شخصيتها الاجتماعية أو حتى القانونية .
وخلاصة قولنا هنا: أن الأسر هي العائلة التي تربطها مقومات تقوم على عدة وحدات أسرية تجمعهم الإقامة المشتركة والمصالح وكذا الزيارات المستمرة ورابطة الدم .
وظائف الأسرة: في القديم كانت الأسرة ملتزمة مرتبطة بوظائف الحياة بشكل يلائم العصر الذي تنتمي إليه , وهكذا مع مرور الزمن والأحقاب وما تخللهما من تغيرات في وظائف الأسرة نتيجة تطور العصور نجد أنها تأثرت وأثرت في طبيعة تلكم الوظائف إلا أن الهدف منها يبقى هو العمود الفقري رغم تعرضها للتطور والمتمثل في تكوين الشخصية المتزنة الرزينة انفعاليا
والتي قدرت على التكيف والتأقلم مع متطلبات ومستلزمات الحياة الاجتماعية .
1- الوظيفة البيولوجية: [ العقل السليم في الجسم السليم] نعم إن توفير الرعاية الصحية والجسدية للأبناء إلى جانب الغذاء الصحي والمسكن اللائق ضرورة ومسؤولية الأبوين.
2- الوظيفة الاقتصادية: نقف هنا لنوضح كلمة [ اقتصاد] هي كلمة ليست من العربية بشيئ إلا من حيث اللفظة وهي من أصل لاتيني يوناني [ادخار البيت] فالأسر ومنذ القديم تعتمد على الأكفاء الذاتي وذلك بانتاج ما هي في حاجة إليه ولا زال هذا إلى يومنا .
3- الوظيفة النفسية: واجب الأسرة توفير الجو الهادئ النظيف المملوء بالود والحان والحب
والسلام وابتعادا عما يعكر ويخلق التوتر.
4- الوظيفة الدينية والأخلاقية: مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الزوجين والمتمثلة تقديم الآباء والأمهات الخبرات الكافية من دينهم وتعاليمه السمحة وكل ما من شأنه يؤدي إلى إصلاح الأبناء وتسوية أخلاقهم بما جاء به الدين الإسلامي الحنيف , وصدق من قال [ إصلاح النفوس قبل النصوص]
أقول مسؤولية عظيمة وحمل ثقيل على الوالدين إذا ما أرادا نشأة سليمة صحيحة قوية رزينة لأبنائهم في نفس الوقت ليس صعبا عليهما ولا هو ببعيد هذا المسلك والمنهج فبين أيديهما كتاب الله وسنة رسوله محمد –صلاة ربي وسلامه عليه- وهناك إلى جانب ذلك سير الخلفاء وأصحاب الرسول –صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح , عندها يشب الأبناء على تلكم الشمائل والخصال والصفات.. وما أروعها من أخلاق...
5- الوظائف الأخرى: منها .التعليمية.. الثقافية... الاجتماعية..
كلها وغيرها من مهام ومستلزمات الحياة الأسرية.
حقوق الأسرة وواجباتها: للأسرة حقوق فيما بين أفرادها وكذا الدولة
*- تأمين وحماية ..يسر المعيشة... كرامة العيش... حفظ الأمن... تعليم الأبناء...
أما الواجبات: علينا قبل أن نطالب بالحقوق أن نعي ونفقه ونلتزم بما يطلبه الوطن
المتمثل في الدولة فإذا قمنا نحن بواجباتنا تساوت أطراف المعادلة وكان فعلا مجتمعا لا يزول بزوال الرجال .
الأســـرة في عصرنـا اليـوم: إذا انطلقنا من مفهوم أن الأسرة هي أساس المجتمع ومصدر قوته وتفوقه علينا أن نلفت الانتباه إلى أن ظاهرة العنف الأسري هي أكثر فتكا بالمجتمعات من الحروب والأوبئة الصحية ...لماذا؟ لأن هذا الوباء ينخر أساس المجتمع فيهد ويضعف ويجفف منابعه ويقتلع جذوره ..
إن ظاهرة العنف الأسري وهي مخاض بعد زبد لهذه الحياة العصرية فالضغوط النفسية والإحباط هما نتيجة لما يسمى بالحياة العصرية والتي نمارسها يوميا والتي هي من المنابع والمصادر الأولية والأساسية لمشكلة العنف الأسري .
هذا السلوك المكتسب يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية وكل مخزون ومكبوت في الصغر ينفجر بركانه مستقبلا . فمن كان يومها ضحية يكون بعد ها جاني, أيضا أن القيم والمعايير الاجتماعية تلعب دورا كبيرا جدا ومهما في تبرير العنف , حيث قيم الشرف والمكانة الاجتماعية تنظما معايير محددة تعتبر العنف أحيانا كحق مشروع وضروري , ناهيك عن تعلم الأفراد المكانة الاجتماعية وأنواع التدليل والتبجيل المرافقة لها .....
وقد تبين من جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج هو المعتدي
ثم يأتي الأبناء والبنات كضحايا.
ظاهرة التفكك الأسري: بسبب مطلق الحرية , إن عدم ضبط مؤشر الأخلاق وسوء التربية والإهمال يصعب على الأبوين فيما بعد إصلاح واستدراك ما فات فقد ترك الحبل على الغارب منذ الصغر ولنا في الحياة من الأمثلة من المآسي الكثير , فانظر مثلا ماتعانيه الكثير من الأسر اليوم.......
المجتمعات التي تحللت , لا أقول على مستوى المجتمعات الغربية فحسب بل هناك الكثير من المجتمعات العربية سلكت هذا المنهج وهذا المنعرج الخطيرين وضاع منها الكثير وأضاعت زمام القيادة , وراح من يرجع السبب إلى ما يدعونه التحضر والحقيقة أن الحضارة بريئة منه ومنها من يرمي بذلك على الثقل وعدم قدرته على السيطرة اليوم ... والنتيجة لا نعيد ذكرها ولا رسمها فهي واضحة جلية حتى للضرير فما بالك بمن يبصر بربع عين أعمى .. كان ذلك كله منتظرا لسبب بسيط هو ابتعادنا عن الكتاب والسنة النبوية الشريفة .. عن الخلق خلق الإسلام , ولا بأس أن نسرد ما نراه من الأسباب المؤدية لذلك :
سوء التنشئة - التقليد- الحرية المطلقة- سواد العقل- عدم تقدير سوء العاقبة- غياب كلي للوازع الديني- اللامبالاة من باب [ لا يهمني] عدم سن ضوابط خلقية- تفشي الفاحشة- تعاطي المخدرات- عدم القصاص – غياب دور المسؤول .... والقائمة مفتوحة...
إغراءات العالم الغربي: حيث وجد تعطشا في نفوس الكثير من ا بنائنا وبناتنا لبريق وأبواق وإفرازات منتجاتهم القذرة والتي أتت على الحرث والنسل والأخضر واليابس .. حيث غزواتهم لنا بمختلف الوسائل وفي عقر ديارنا ولا زالوا ينشطون ولا زلنا نحن بهم لمفتونين . وأنى لنا أن نفلت من بين مخالبهم و عالم الانترنت... عالم الموضات.. عالم الفن والجن .....
الاحتياجات اليومية: ما تتطلبه المعيشة اليوم ..من أكل وشرب ولباس وعلاج وتعليم وترفيه ..
وهكذا دواليك كلها أدت دون تقاعس ودون نقاش إلى اعتناق أفكار وسلوكيات ومعاملات ضررها اكثر من نفعها وصبت كلية على مجتمعاتنا
عدم الإخلاص والنية في أداء أعمالنا : أيضا جعلنا مطية وطعما سهل الإبتلاع وكنا المبتلعين
دون طحن ولا هضم فاستقر ذلك في أمعائنا وتقوت جذور السوء واشتد سوقها
الابتعاد عن الله وعدم الالتزام بما أمر به وعما نهى عنه
ذوبان وتميع جماعة من الشخصية المسلمة في مجاري وأنهار وقمامة الغرب
ويحضرني هنا قوله سبحانه في حديث قدسي ( من أجبني حين أدعوه أجيبه حين يدعوني)
فأنى أن يستجاب لنا ونحن على هذا الحال وهذا المنوال ؟
تفكك العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة وهذا من أكبر المصائب التي نخرت وتدمر ومن أشد الأمراض فتكا فالزمن يتوقف هنا ..هنا... حيث ترى جسم الأسرة المسلمة يعوث فيه الحسد.. البغض.. الكيد.. التمرد.. الضغينة.. العقوق ..عدم لاكتراث.. عدم الاحترام .... كلها جمعا شغالة في البيت الواحد ....... فيا حسرة على ما آل إليه الحال
خلاصــــــة القــــول
إن ما ذكرت فهو نزر قليل وقليل جدا ومن هذا القليل منهم وعليه من تقتات الكثير من الأسر في شتى ومختلف الأقطار والأمصار ومنهم حتى من يستظل بمظلة الإسلام والإسلام منهم برئ
فيا أيها العربي المسلم المؤمن – رجلا ونساء بنين وبنات شيوخ وعجائز شباب وكهول وممن منكم للعشر بابها طرق والله وتالله لا مخرج لنا ولا منجى ولا مفر إلا بالعودة لكتاب الله ولسنة رسوله الحبيب محمد –عليه الصلاة والسلام – ففيهما العلاج والنجاح والفوز في الدارين
اللهم إني بما علمتني بلغت ما علمته من كتابك وسنة نبيك –صلاة ربي وسلامه عليه-
اللهم ألطف وأرأف وأهد .. إنه لا يعجزك شيئ في الأرض ولا في السماء وأنت السميع العليم
وصل اللهم وسلم على ما أرسلت رحمة للعالمين وآله وصحبه ومن تبع نهجهم إلى يوم الدين ولا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم
بريكة في 2 من ذي الحجة 1433ه الموافق ل: 19/10/2012 م
إبراهيم تايحي