كيف يكسب طفلك صديقا وفيا....؟
[ سأجعلك يا بني تحب الكتاب كما تحب آمك أو أكثر]
عبارة فرعونية تؤكد سعي الإنسان منذ فجر التاريخ للعلم والمعرفة , ورغبة الوالدين لجعل طفلهما مطالعا جيدا .
هذا الطفل الذي تبدأ رحلة تعليمه بإكتسابه الألفاظ اللغوية البسيطة , وتمكنه من النطق السليم بمساعدة الأسرة له, الشيئ ذاته نستطيع أن نفعله مع الطفل في مجال القراءة , فإذا درسنا ببساطة مراحل تعلم الكلام عند الطفل لوجدنا أن كلمة بسيطة كلفظ [قط] يستغرق فيها الطفل مراحل ثلاث :
1/ رؤية القط
2/ سماع صوته مرتبطا بصورته
3/ تدريبه على تقليد الصوت .
الملاحظ أن الأسرة يمكنها اعتماد نفس الطريقة لتعليمه القراءة , فبدلا من أن توجهه إلى مجرد نطق الكلمات تلفت نظره إليها مكتوبة كذلك , وتربط بينها وبين نطقها .مثلا: لو عودنا أطفالنا على ذكر كلمة [ سندباد] لتكرار ظهورها كرسوم في التلفزيون , وربطنا بين لفظها ورموز كتابتها لدربنا الطفل بعد فترة على قراءة الكلمة لوحده دون مساعدة منا , وفي سن مبكرة .
وبذلك تزيد ثقة الطفل بنفسه وشعوره بالتميز والأهمية , ومن خلال الكلمات المعدودة التي يكون قد تدرب على قراءتها يبدأ حب الاستطلاع , فيحاول التعرف على المزيد من الرموز المكتوبة وربطها بصورها وأدواتها.
تؤكد الدراسات النفسية أن علاقة الطفل – والإنسان عامة – بالقراءة تعتمد أساسا على أسلوب تعلمه إياها والخبرات التي حصل عليها خلال ذلك , وانصراف الكثيرين عنها يعود إلى الضغط والقسوة التي اتبعت معهم لتعلمها .
فإذا كانت الأسرة راغبة في إيجاد علاقة حب دائمة بين طفلها والقراءة , فلا بد أن تقدم إليه الكتب وتعرفه بها , وتبقيها تحت بصره ليحتضنها كما اللعبة أو الدمية, ليس ليعبث بها ولكن ليحس بضرورتها وأهميتها خاصة عندما نختر له منها ما يناسبه شكلا ومضمونا , ونقرأ له ما يطربه ويسعده , مجسدين شخصيات القصة بأسلوب بسيط ومعبر , فحينما يصبح الكتاب مصدر سعادة أطفالنا , فما الذي نتوقعه منهم .؟
من هنا تأتي أهمية قراءة الحكايات والأشعار للأطفال في سن مبكرة بحضور دافئ للأسرة , وتقليد معبر للأصوات , وملامح شخصيتها , والحيوانات التي نتحدث عنها , حتى أننا ننغم الكلمات بألحان تستجيب لمشاغبة الأطفال وتشبع تعلقهم بالأصوات المميزة , وبهذه الطريقة يكتسب الطفل معرفة جديدة وهي أن الكتاب هو كذلك مصدر للموسيقى والابتسام والضحك والتسلية في كل الأوقات خاصة قبل النوم, .......
إن القراءة للطفل في سن مبكرة تجعله ينتبه إلى ثلاثية : هو, القارئ , الكتاب , لكن وبمرور الزمن أن تتقلص الثلاثية إلى ثنائية فيصبح هو والكتاب باستقلالية لنوعية القراءة , لأنه يكون قد تعلمها وتمكن منها. وما ظهور الكتب المخصصة من السنة الأولى إلى الثالثة من عمر الطفل واعتمادها في دور الحضانة كأساليب علمية لتعلم القراءة إلا تشجيع على هذه المبادرة .
ولكي تنجح الأسرة في إكساب طفلها علاقة طيبة بالكتاب عليها باقتناء الكتب التي تحث الأطفال لا على القراءة فقط بل حتى على الكتابة المبدئية كتسجيل أسمائهم أو أدواتهم بحروف كبيرة مقروءة .....
وفي استطاعتنا تدريب الصغار على قراءة لافتات المحلات خاصة تلك التي نتردد عليها كثيرا , والتي تلفت انتباههم ...... فالمهم إذن الربط بين النطق والكتابة والمعنى .....
كما على الأسرة تحفيز جميع حواس الطفل وأعضائه لتعلم القراءة والكتابة ...كالتركيز الجيد بالنظر إلى الكلمة ونطقه لها حرفا بحرف حيث تتكاتف الأذن والعين والجهاز ..
وهناك طريقة أخرى تظهر من خلال الأسلوب الترفيهي , يتمتع فيه الطفل كثيرا كلعبة قص الأحرف من المجلات والجرائد لتصفيفها وتأليف كلمات ذات معاني ............
تكون مهمة تعويد الطفل على رفقة الكتاب يسيرة بقدر قابلية الأسرة في حد ذلتها وتعاطيها القراءة , فكلما كان الأبوان من القراء المداومين, عليهما أن يتوقعا طفلهما قارئا , مقلدا لهما , دون بذل جهد كبير , لكن ومع ذلك يجب.. أقول يجب مراعاة تنويع اهتمامات الطفل حتى تصبح القراءة لديه تجربة ناجحة ومغرية في نفس الوقت , تهز مشاعره ضحكا وبكاء , رغبة ورهبة شغفا ومللا .... وتوسع خياله ..
..
ولربما أن من الأسباب التي تثبط وتحط من عزيمة الطفل-أو الأطفال عامة – في التحصيل الدراسي أنهم كثيرا ما يجدون أنفسهم أمام موضوعات جافة مجففة ثقيلة الوقع وثقيلة الظل لا تشبع فيهم أي فضول ولا تطلع ولا تثير فيهم أية مشاعر [ انظر بحثنا : أطفالنا بين التأخر الدراسي والتسرب المدرسي] و موضوعنا حول [ سيدتي طفلك أولا] .
هذا بالإضافة إلى التسلية فالقراءة قد توجه الطفل إلى اهتمامات وأفكار لم يكن ليبلغها بطريقة أخرى . فمثلا كتاب كليلة ودمنة... وما احتواه من قصص – وإن كانت على ألسنة الحيوانات –
وما يرويه الآباء والأجداد والأمهات والجدات لأبنائهم وبطريقتهم الخاصة والتي غالبا ما تسمى [ لمحاجيات ] تجعل الأبناء يفكرون في الصورة التي شاهدوها وهم يطالعون كتاب كليلة ودمنة
والتي كانت أحداثها تدور بين الحيوانات , ومقارنتها مع الواقع والذي ينعدم فيه الحيوان الناطق وبذلك ترى وابلا من الأسئلة والاستفهامات من قبل الأطفال نازلا على الحاكي آو القاص من بين الآباء أو غيرهم , وكثيرا ما تبقى في معظمها معلقة ...........
وعليه فإننا مطالبون بأن نأخذ بأيدي أطفالنا ونوجههم إلى نوعية جيدة من القراءة , المتصلة بهم شخصيا .لا تلك القصص أو المواضيع العسيرة المقلقة المنفرة ............
وأن نعزز الإحساس بالكلمة المكتوبة كوسيلة للمعرفة واكتساب الخبرة , وأن نعينهم بقراءات تساعدهم على مواجهة التحديات . وهنا أذكر بالصبر واستمرارية المراقبة ..نعم المراقبة الدقيقة لمن.؟ لاهتماماتهم ورغباتهم .. أيضا نساعدهم على اكتساب صديق جديد ...وفي... كتوم... مهذب مؤدب .. لا يشتكي ولا يطالب ..فقط الصحبة الصادقة . وما هو إلا الكتاب ؟ لا غيره ؟
فهو لنا نحن الكبار خير مؤنس وخير جليس ولأبنائنا خير صديق وأسهل طريق .
ونعود للأولياء في البيت بدءا من الأم لكونها حجر الزاوية وأساس كل بناء وتنشئة سليمة إن هي أرادت لأبنائها ذلك - وما أنا في ريب من هذا –أن تلتزم بنوع من الفطنة والانضباط والرعاية الهادفة , وتعرف كيف ومتى ولماذا وأين ولمن.؟. فأنت الأم وأنت
مربية الأجيال والمدرسة المثال وصانعة الرجال, فكوني أيتها الأم محط الرحال , وكفاك فخرا قول الرسول الأعظم – عليه الصلاة والسلام – بتكريمه إياك وتشريفه بالمرتبة الأولى والثانية والثالثة بحق الصحبة .. أما أنت أيها الأب الكريم – والقوامة لك- استسمحك فيما يلي:
تجنب الانفعال أرجوك خاصة أمام أبنائك ...
حاول النطق بخلق الكلام وأحسنه... لا ذاك الذي يضر دون أن تشعر
أنت القائد والمثال فكن بحرا لا تكدر مياهه الأمواج ولا الأقوال
أبناؤك من صلبك وعصبتك فعودهم على الفضيلة والعزة فهم قلادتك
أيها الأب أترك خلفة طيبة ونسلا مباركا يكن فيهما الخير لك في الدنيا والآخرة
إبراهيم تايحي