جولة في ظلام بين الأنام
ربما أعد شاذا....؟ ربما يزعم البعض أنني منطوي..؟ ربما أنعت بأكثر من ذلك .....
هذا اعتقادهم – وهم غير ملومين ولا مستعتبين فيما ذهبوا إليه- أما أنا فاعلم علم اليقين
أن أولي نطفة مذرة وأن آخري جيفة قذرة ثم أني بين ذلك احمل العذرة./ سنة الله في خلقه
خرجت بعد أمد من الإفطار- من البيت- لقضاء حاجة حقيقتها جلب دواء, ثم ما أبطأت فعدت أدراجي بين موج وهرج , مثقل بما شاهدت وسمعت , وكأن الساعة قامت , وكأن الحشر قد حل وظهر ... زرافات ...جماعات... كوكبات.... منهم من هم على مائدة مدت أطرافها على مد البصر يأكلون بشهية ونهم لحوم البشر , وآخرون دونهم للورق والنرد وما شابه في خيلاء كفر وتفاخر, ومخلفون بين غمز ولمز ووخز الإبر.......
ندمت أشد الندم على هذا الخروج فلولا الحاجة ما فعلت, فقد كل المتن مني وكاد أن يزيغ عني البصر....
- أهؤلاء صاموا يومهم ؟ وإن كان ذلك أهكذا يحيون ليلهم ؟
- أهؤلاء – وإن اختلفت أعمارهم ومناصبهم – إن كانت لهم مناصب –يبتغون الرذيلة ويئدون الفضيلة ؟ ونحن في أيام عظيمة جليلة...
- أليس من المفروض أن يتساءل المرء الصائم عن صيامه هل أثر في نفسه وزكاها ؟.
دع عنك هذا ... استوقفني أحد المتحلقين حول سراب الدنيا وأمامهم قارورة ماء وشفاههم لبنات أفكارهم تدلي ...
قال لي: أنكسر عودا لخروجك أم ماذا؟ وأردفه آخر : الحاج في راحة التقاعد ينعم وليس له شغل يشغله , بينما ثالثهم ابتسم وقال : ألا تجلس معنا ..؟ ها هو الماء البارد ......
كل هذا يجري وأنا أدير علبة الدواء يمينا وشمالا في الوقت الذي كنت اسمع منهم وأحذر مقاصدهم قلت: معذرة يا حجاج الفاتيكان , ما أنا بمتكبر ولا متعال وأن ما تكبر أحد الا من ذلة يجدها في نفسه, أما وأن أجلس معكم أستسمحكم إن هذا – وأشرت إلى علبة الدواء- هو الذي أخرجني , أما أنت يا أحمد [ القائل الحاج في راحة التقاعد ينعم وليس له شغل يشغله]
الحمد لله أني متقاعد ولست مقعدا , ولربما الذي لا زال بي من عمل ينتظرني أكثر من ذاك الذي فاتني وربنا عز وجل يقول( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى برك كدحا فملاقيه) الإنشقاق6
أما عن الماء البارد لك من الله كلامه( ...وسقاهم ربهم شرابا طهورا) الإنسان 21
أما الثانية فهي أشد ( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم) الأنبياء 69
حقا أقول : كل كان يسمع وحقا لا أبخس الناس أشياءهم فهم – وهذا اقتناع شخصي – يكنون لي كل تقدير واحترام جزاهم الملك العلام .
قام من بينهم من كان زميلا لي وقتها مشيرا بيده وكأنه يتوعد وقال:[ معامن طحتو , سلكوا رواحكم ضرك.]..أجلس معنا قليلا يا أستاذ.. لولا الحرارة وملحقاتها ..والصيام كما تعلم ومشقاته.. ما كنا في غيرهما نتسامر ....
أوصلت الدواء – وكان البيت مني على قرب – ثم أخذت مجلسا وإذا بأحد شياطين الإنس
يقف على رؤوسنا دون سابق تحية وراح يذر ويغبر , قال لأحدنا: ألا زلت تدخن ؟ قال: بلى
قال أليس هذا حرام ؟ ققال: بلى. قال وكيف تجرؤ على ذلك ؟ الا تقلع عنه؟...وقتل من الوقت الكثير , أمهلته حتى يفرغ ما بجعبته وأنا أعلم أنه ليس من باب النصيحة والتذكير بل من باب الضغينة والبغضاء – أعاذنا الله منها جميعا – قلت له : كل ما قلته واضح جلي بين كما أراك وتراني , لكن الم يكن من الأجدر بك أن توقظ أولئك الغافلين الساهين الذين هم منك على قرب؟
ألم يكن من الأجدر بك أن تتقيأ ما أكلته من لحم اللحظة ؟ ألم يكن من الأجدر بك أن تلقي السلام علينا ؟ نعم صدقت أنها مخالفة وليست بهينة وهي عند الله عظيمة فهيا معا ندعوا الله أن يعفو عنا وعن أمثالنا . منها ومما هو أعظم ...
غادرنا كما جاءنا دون بنت شفة يلوي رأسه ويتمتم .
ابراهيم تايحي