عايض بن سعد الدوسري
تحدثتُ في الحلقات الأولى عن موقف الشيعة من أهل السنة –على اختلاف توجهاتهم -، فهؤلاء حسب أصول مذهب الشيعة وتقريرات كبار شيوخهم، هم: أولاد زنا، ولا بد من لعنهم، والكذب عليهم وقذفهم، وغيبتهم، وتكفيرهم، وأنهم شر من اليهود والنصارى، وأنجس من الكلاب، إلى آخر تلك الأوصاف الخطيرة والمسفة.
وإذا كان هذا الموقف الشيعي هو ما تواترت به أقول كبار علمائهم، فالسؤال الذي قد يطرحه البعض، هو:
كيف سيتعامل الشيعة مع أهل السنة في أوقات الأزمات؟
هل سيغلبون الخطاب المدني الذي كانوا يرددونه وقت السلم؟
وهل سيقبلون بالوحدة والتعايش السلمي التي طالما تغنى به بعضهم؟
أم سيطبقون ما يعتقدونه في أهل السنة في تلك النصوص التي تم سردها في الحلقات الأولى؟
أقول: من أنصف الإنصاف أن لا يُؤخذ المرء إلا بما قال أو فعل، عن عمدٍ وإصرارٍ، ولذا سوف أعرض لما حصل للمسلمين في القرن السابع، يوم تهاوت دولهم وممالكهم وإماراتهم تحت سنابك خيل التتار، ودمرت ممالك الحضارة الإسلامية في الشرق الأقصى، وسرى ذلك الدمار الأسود نحو الغرب الإسلامي، يأكل الأخضر واليابس، والمسلمون في غفلة ورقادٍ، حتى استيقظوا على تدمير الخلافة العباسية، وسحل الخليفة، واغتصاب عشرات الآلاف من الحرائر أمام عيون آبائهن وإخوانهن.
عندها أفاق المسلمون على نكبة عظيمة لم يشهد لها تاريخ البشرية مثال، كما نص على ذلك أكثر من مؤرخ ممن شهد وعيان تلك الوقائع التاريخية.
والسؤال: هل توحد المسلمون –سنة وشيعة- أمام هذا التحدي الأعظم، وهل غلب الشيعة الخطاب المدني والسلم الاجتماعي، والتعايش السلمي؟
إن ما حصل من الناحية العملية يُعد كارثة إنسانية من كل وجهة، فإن ذاكرة الأمة الإسلامية لا تزال مثقلة بالآلام وهي تستعيد الصور المريرة لسقوط بغداد عام 656هـ، وتتذكر ما فعله الوزير الشيعي "ابن العلقمي" الذي وثق فيه الخليفة السني، لكنه قابل ذلك بالخيانة وتعاون مع التتار سراً لغزو بغداد وتدميرها.
فقد ذكر المؤرخ "قطب الدين اليونيني البلعبكي" أن ابن العلقمي كاتب التتار وأطمعهم في البلاد وأرسل إليهم غلامه وأخاه بذلك. (1)
وذكر "الإمام الذهبي" أن ابن العلقمي استطاع أن يقطع أخبار الجند الذين استنجد بهم المستنصر، وأنه بذل جهده في أن يزيل دولة بني العباس ويقيم علوياً، وأخذ يكاتب التتار ويراسلونه. (2)
وذكر المؤرخ "اليافعي" أن التتار دخلوا بغداد ووضعوا السيف في أهلها، واغتصبوا الحرائر وقتلوا الأطفال، واستمر القتل والسبي نيفًا وثلاثين يوماً، وقل من نجا. وذَكَرَ أن سبب دخولهم هو "ابن العلقمي" الذي كاتبهم وحرضهم على قصد بغداد ليقيم خليفة علوياً، وكان يكاتبهم سراً، ولا يدع المكاتبات تصل إلى الخليفة.
ثم ذكر "اليافعي" أن الوزير ابن العلقمي خدع الخليفة وأوهمه أن التتار يريدون عقد الصلح معه، وحثه أن يخرج إليهم بأولاده ونسائه وحاشيته، فخرجوا فضربت رقاب الجميع، وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة، فتضرب أعناقهم حتى بقيت الرعية بلا راع، وقتل خير العلماء في العراق، وقتل من أهل الدولة وغيرهم ألف، ألف وثمان مائة.(3)
ويقول المؤرخ الشيعي "نور الله الششتري المرعشي" ما نصه عن حقيقة الدور الذي لعبه ابن العلقمي: (إنه كاتب هولاكو والخواجه نصير الدين الطوسي، وحرضهما على تسخير بغداد للانتقام من العباسيين بسبب جفائهم لعترة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم).(4)
وهنا نصٌ خطيرٌ للغاية، لأحد كبار علماء الشيعة وهو العلامة "الخوانساري"، حيث تحدث بفرح عظيم، ونشوة كبيرة، عندما تحدث عن مصيبة بغداد على يد المغول، واعتبرها فتحًا وانتصارًا، وإصلاحًا للنظام، وأثنى على المحتل المغتصب المجرم "هولاكو"، واعتبر أن الدماء الطاهرة البريئة التي سالت من أطفال العراق، ونساء العراق، وشيوخ العراق، ليست إلا دماء قذرة وعفنة!!
فقد قال العلامة الشيعي "الخوانساري" عند ترجمته لنصير الدين الطوسي ما نصه:
(ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم هولاكو خان، ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلاد، بإبادة ملك بني العباس، وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغام، إلى أن أسال من دمائهم الأقذار كأمثال الأنهار، فانهار بها في ماء دجلة، ومنها إلى نار جهنم دار البوار)!(5)
أقول: إن من في قلبه ذرة إسلام أو إيمان أو إنسانية أو حبٍ للتعايش السلمي والمجتمع المدني، لا يقول مثل هذا القول؟ وأي قلبٍ يفرح ويتشفى بسفك دماء أطفال المسلمين، وهتك أعراض الحرائر، وقتل الشيوخ؟
والأخطر من ذلك كله، أنَّ العلامة الشيعي "الخوانساري" اعتبر أن هؤلاء الضحايا الذين ذبحوا على يد الكفرة التتار، سيكون مصيرهم إلى جهنم!!
ومما يؤسف له حقًا، أنَّ هذا التصرف المشين كان محل تقدير واحترام من علماء ومراجع الشيعة، بل إنَّ جنس هذا الفعل مُقرر في الأدبيات الشيعية، ومحل تقدير واستحباب!
فهذا إمام العصر عند الشيعة "الإمام الخميني" يقول بكل صراحة ما نصه: (إذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله، إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين ونصير الدين الطوسي رحمهما الله).(6)
أقول: أما خدمة "نصير الدين الطوسي" التي يرى "الخميني" أنها هي النصر الحقيقي للإسلام، فقد شرحها لك للتو العلامة الشيعي "الخوانساري"!!
أما خدمة "علي بن يقطين" للإسلام –كما يعتقد الخميني- فندع بيانها لأحد علماء الشيعة وهو العلامة الشيعي "نعمة الله الجزائري" وملخصها كما يلي حسب ما ذكره:
أن "علي بن يقطين" كان مسئولاً في الدولة العباسية، وسنحت له الفرصة لقتل خمسمائة من أهل السنة، فقتلهم بأن هدم عليهم سقف السجن فماتوا كلهم، فأرسل يستفسر عن عمله عند إمامه المعصوم، فأقره على عمله وعاتبه أنه لم يستأذنه في قتلهم. ثم جعل كفارة كل رجل من أهل السنة (تيساً) وقال الإمام المعصوم: "والتيس خير منهم".(7)
يقول العالم الشيعي "نعمة الله الجزائري" معلقاً على هذه الحادثة، وهو لا يخفي فرحه وتشفيه وسخرية من مقتل أهل السنة:
(فانظر إلى هذه الجزية التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر وهو كلب الصيد، فإن ديته عشرون درهماً، ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي).(
ومما يؤسف له أن "ابن العلقمي" لم يكن وحده في ذلك، بل كان معه كثرة كاثرة من شيعة بغداد قد فعلوا مثل فعله!
فقد ذكر المؤرخ "رشيد الدين الهمداني" والمؤرخ "أبو المحاسن" أن الشيعة في: الكرخ، والحلة، وبغداد، خرجوا في استقبال هولاكو استقبال الفاتحين الأبطال، والتحق كثير من الشيعة بجيش المغول، وأقاموا الأفراح ابتهاجاً بهم!(9)
ومن الخدمات الجليلة التي قدمها "نصير الدين الطوسي" تلك الرسالة التي كتبها -بوصف وزيراً لهولاكو- إلى أهل السنة في الشام، يهددهم ويروعهم فيها، ويتوعدهم إذا هم لم يدخلوا في طاعة التتار، وأنه سوف يفعل بهم كما فعل بأهل بغداد!!
يقول الطوسي: (اعلموا أنا جند الله، خلقنا من سخطه، فالويل كل الويل لمن لم يكن من حزبنا، قد خربنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأظهرنا في الأرض الفساد، فإن قبلتم شرطنا، وأطعتم أمرنا، كان لكم مالنا، وعليكم ما علينا)(10).
أما مرجع الشيعة الأوحد في ذلك الوقت وعميد الطائفة في بغداد بلا منازع فهو العالم والمرجع الكبير "ابن طاووس"، الذي كان رأس الشيعة في وقته، ويمكننا أن نشبه مكانته في ذلك الوقت بمكانة المرجع الشيعي "علي السيستاني" في هذا الوقت.
والسؤال: ماذا كان موقف هذا المرجع الشيعي الكبير "ابن طاووس" من المغول الذي قدموا إلى بغداد لتدمير حاضرة الإسلام والمسلمين؟
أقول: حتى يكون الكلام علميًا وموثقًا، فإنه لا بد من أخذ كلام هذا المرجع الكبير من كتبه نفسها أو من مصدرٍ شيعي موثوق، حتى لا يُدان بما لم يثبت عليه، وهذا من الإنصاف والموضوعية.
للأسف الشديد، فإنَّ هذا العالم الشيعي الكبير، قد كتب كتابًا بنفسه عبر فيه عن مشاعره تجاه ما حلَّ ببلاد المسلمين، حيث أعلن عن فرحته بدمار دولة الإسلام، وسماه فتحاً، وأخذ يترحم على هولاكو الوثني المشرك!
يقول المرجع الكبير "ابن طاووس": (يوم ثامن عشر محرم وكان يوم الإثنين سنة 656هـ فتح ملك الأرض – يقصد هولاكو- زيدت رحمته ومعدلته ببغداد).(11)
وذكر المؤرخ الشيعي "ابن الطقطقي" أن "ابن طاووس" أصدر فتوى لهولاكو بتفضيل الكافر العادل على المسلم الجائر!!(12)
يقول العالم الشيعي "علي العدناني الغريفي" معلقاً على هذه الحادثة: (وقد نال ابن طاووس بفتياه هذه مقاماً كبيراً في نفس الكافر المحتل)(13).
ودعونا الآن نستمع بكل إنصاتٍ وخشوعٍ لما قاله المرجع الكبير "ابن طاووس" نفسه وفي كتابه، عن المكافأة التي قدمها له هولاكو على وفائه، حيث عينه مرجعاً دينياً عامًا للشيعة، وجعل له حماية عسكرية تُحيطه بالعناية والرعاية!!
يقول "ابن طاووس" نفسه: (ولم نزل في حمى السلامة الإلهية، وتصديق ما عرفناه من الوعود النبوية، إلى أن استدعاني ملك الأرض –هولاكو- إلى دركاته المعظمة جزاه الله بالمجازات المكرمة في صفر، وولاني على العلويين والعلماء والزهاد، وصحبت معي نحو ألف نفس ومعنا من جانبه من حمانا إلى أن وصلت "الحلة" ظاهرين بالآمال).(14)
وقد نصَّ العلامة الشيعي الكبير "ابن مطهر الحلي" أن أباه والسيد "محمد ابن طاووس"، أجمع رأيهما على مكاتبة هولاكو، بأنهم مطيعون داخلون تحت دولته.
وأن هولاكو سألهم بما معناه: لماذا تركتكم خليفتكم؟ ولماذا تخونونه؟ ألا تخافون منه إذا انتصر عليَّ!
فأجابه والد "ابن مطهر الحلي" بأن رواياتهم الشيعية تحثهم على مبايعة المغول وترك الدولة العباسية، وأنك يا هولاكو المنصور الظافر!
ويعلق "ابن مطهر الحلي" على قصة والده، وكيف عاملهم هولاكو على موقفهم الإيجابي منه، فقال: (فطيب قلوبهم وكتب فرماناً باسم والدي يطيب فيه قلوب أهل الحلة وأعمالها)(15).
هذا بعض ما حصل في القرن السابع للأمة الإسلامية، والسؤال: هل يمكن أن يتكرر هذا الموقف؟
أقول: إن هذا الموقف العملي لم ينبع من فراغٍ، بل نبع من النصوص التراثية السابقة، ولكي نمنع تكرار ما حصل، لا بد من حذف ومحاربة كل نصوص الكراهية الموجودة في التراث الشيعي، والتي تحقن الفرد الشيعي بالكراهية، وتحثه على الثأر، وما مسيرات عاشوراء التي تحمل لافتات "يا لثارات الحسين" إلا خير تعبير وأصدق عنوان لهذا التراث الذي يغذي الكراهية في قلوب أطفال وشباب الشيعة الأبرياء، الذين يُعلمون الكراهية والإقصائية منذ نُعومة أظافرهم.
المصادر والمراجع:
(1) انظر: ذيل مرآة الزمان – سبط ابن الجوزي ( 1/85)
(2) دول الإسلام – (2/118).
(3) مرآة الجنان (ج4/137 -138).
(4) مجالس المؤمنين (ص400).
(5) روضات الجنات ( 6/300).
(6) الحكومة الإسلامية (ص142).
(7) الأنوار النعمانية- نعمة الله الجزائري (2/308).
(
الأنوار النعمانية- نعمة الله الجزائري(2/308).
(9) جامع التواريخ (1/259). النجوم الزاهرة( 7/49).
(10) مخطوطة في مكتبة كلية الآداب – جامعة بغداد: (رقم 975).
(11) إقبال الأعمال- لابن طاووس (ص586).
(12) الفخري في الآداب السلطانية (ص17)
(13 ) مقدمة بناء المقالة الفاطمية - ابن طاووس (ص18 ).
(14) إقبال الأعمال- لابن طاووس ( ص568).
(15) سفينة النجاة- عباس القمي (1/568).