بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى .
أما بعد .........،
إخواني في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد بشر الله مريم ابنة عمران الطاهرة البتول عليها السلام بولد
عظيم الجاه والشرف والرفعة والمكانة في الدنيا وفي الآخرة ،
وبشرها بأنه سيكون قريبا من الله جل وعلا ، وما أعظمها من بشرى
لا يفهم معناها إلا أهل النسك والعبادة والخضوع لله تعالى .
قال الله جل ذكره :
﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
(آل عمران:45)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ لَهُ وَجَاهَة وَمَكَانَة عِنْد اللَّه فِي الدُّنْيَا بِمَا يُوحِيه اللَّه إِلَيْهِ مِنْ
الشَّرِيعَة وَيُنْزِلهُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا مَنَحَهُ اللَّه بِهِ وَفِي
الدَّار الْآخِرَة يَشْفَع عِنْد اللَّه فِيمَنْ يَأْذَن لَهُ فِيهِ فَيَقْبَل مِنْهُ أُسْوَة
بِإِخْوَانِهِ مِنْ أُولِي الْعَزْم صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ "
ومن وجاهته عليه السلام ألا يفصل أحد بينه وبين خاتم الأنبياء
والرسل وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن ينص كل واحد
من النبيين العظيمين على أنه أولى بالآخر وأقرب إليه قال الله سبحانه
وتعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي
اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ (الصف:6)
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿ أنا أولى الناس بابن مريم ،
والأنبياء أولاد علات ، ليس بيني وبينه نبي ﴾
إن منزلة نبي الله عيسى عليه السلام منزلة عظيمة في الإسلام ،
حتى تجد هذه العلاقة بين هذين النبيين العظيمين ، فعيسى عليه السلام
يبشر أمته بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم
يقول أنا أولى الناس به ديني ودينه واحد وليس بيني وبينه نبي.
إن هذه العلاقة القوية تدفعنا إلى التزود من معرفة هذا النبي الكريم ،
ولولا ضيق المقام لكان لنا لقاء طويل مع هذا النبي العظيم والرسول
الكريم ، نذكر فيها صفته ومولده ونشأته ودعوته وفضائل أحاطه الله
ولم نحط بأكثرها علما
فهو أحد أولي العزم من الرسل أئمة الصبر الذين أمر الله نبيه صلى الله
عليه وسلم بأن يصبر كما صبروا قال سبحانه : ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ
أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ (الاحقاف: من الآية35) وهذا يبين كم
أوذي هذا النبي الكريم في دعوته إلى الله تعالى وكم صبر على هذا
البلاء ، وكم صدع بالحق وزلزل مجالس كفرة بني إسرائيل ، الذين
قتلوا أنبياء الله حتى هموا بقتله وهو ثابت لهم عليه صلوات الله
وسلامه يدعوهم ويذكرهم وينذرهم.
لقد كان لنبي الله عيسى عليه السلام خصائص دون بقية الأنبياء
والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
==فمن ذلك أنه ولد دون أن يكون له أب أو والد قال جل ذكره :
﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ
اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
(آل عمران:47)
فكان مولده معجزا صلوات الله وسلامه عليه كما كان خلق آدم
معجزا ، وليس على الله بعزيز قال سبحانه : ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ
اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
(آل عمران:59)
==ومن ذلك أنه كان يكلم الناس وهو في المهد صبيا
قال جل وعلا : ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ
شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً *
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً
أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي
وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ
أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ (سورة مريم )
ومن ذلك أنه كان يبرؤ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله
قال جل ذكره : ﴿ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ
طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ
وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ (آل عمران:49)
ومن ذلك أن الله رفعه إلى السماء ثم يعيده في آخر الزمان حكما عدلا
قال الله جل ذكره : ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ
وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...﴾ (آل عمران: من الآية55)
وقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿ والذي نفسي بيده ،
ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ،
ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى
تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها . ثم يقول أبو هريرة :
واقرؤوا إن شئتم : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم
القيامة يكون عليهم شهيدا ) . ﴾
وكما أمر الله محمدا عليه الصلاة والسلام بالصبر كما صبر عيسى عليه
السلام فكذلك أمر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ينصروه
كما فعل أصحاب عيسى عليه السلام فقال جل ذكره : ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ
أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾ (الصف:14)
إن الحديث عن هذا النبي العظيم من أنبياء الله تعالى يطول بنا لكننا
اليوم نذكر المقصود لقد أوذي نبي الله عيسى عليه
السلام من طائفتين كافرتين
=====
الطائفة الأولى
طائفة النصارى عباد الصليب
عليهم من الله ما يستحقون
فهؤلاء آذوا ذلك النبي العظيم أسوأ الأذية عندما عبدوه من دون الله ،
وادعوا أنه أمرهم بذلك ، وهو برئ من كذبهم ، بعيد عن كفرهم ،
منزه عن دنسهم ، قال عز من قال ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ
سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ
عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ
الْغُيُوبِ ﴾ (المائدة:116)
فكم هو صعب هذا الموقف العصيب عندما يسألك الله عن هؤلاء
الذين ما دعوتهم إلا لله ومكثت فيهم زمنا ثم يدعون أنك دعوتهم
لنفسك أتدرون مثل ذلك كمثل رجل أمين كان يعمل على مال
رجل يربحه وينميه ويضعه في مال الرجل ويتحمل هم رعاية الأمانة
وجباية الحقوق من المماطلين ويتصدى لقطاع الطريق الذين يريدون
سرقة مال سيده فجاء التجار إلى صاحب المال وقالوا إنه كان يأخذ
المال لنفسه ولا يرده إليك والله إنها لحسرة في القلب لكن عيسى عليه
السلام أشار إلى ما عند الله وليس عند صاحب المال ألا وهو أن الله
( علام الغيوب ) فاتكأ على صفة الله في نفي الريبة عن نفسه فانظروا
كيف آذوا عيسى عليه السلام لكن الله الذي يعلم السر وأخفى لم ينتق
من عباده للرسالة إلا أهل الأمانة فكذبة هؤلاء مكشوفة لديه ،
وحجة داحضة عنده ، قال سبحانه : ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ
الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
(79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ
بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) ﴾ آل عمران
فعباد الصليب زعموا _ لعنهم الله _ أنه إلههم وأنه دعاهم لعبادته
فكذبهم الله تعالى وقال:﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ
مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصَارٍ ﴾ (المائدة:72)
ومن جملة ما آذوه به عليه السلام تحريفهم الإنجيل ، وما جعلوه فيه
من كفريات ، وما حرفوا فيه من صفته عليه السلام ، حيث أخرجوه
في صورة رجل شاذ ، ساق للخمور _ حاشاه عليه السلام_
فالحمد لله القائل ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ (غافر:51)
فينصر الله عيسى عليهم في الدنيا فلا يقيمون حجة على ما ادعوه عليه
، بل لا تنقضي الدنيا حتى ينزل عيسى عليه السلام يكسر صليبهم
ويقتل خنزيرهم ولا يقبل منهم غير الإسلام ، والساعة موعدهم
والساعة أدهى وأمر.
=====
الطائفة الثانية
طائفة اليهود
_ لعنة الله عليهم _
وهؤلاء المجرمون اليهود كانت عداوتهم في البداية وأذيتهم لنبي الله
عيسى عليه السلام قائمة على التشكيك في نسبه والطعن في مولده
المعجز والنيل من عرض أمه الطاهرة البتول قال سبحانه :
﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ﴾ (النساء:156)
رغم أنهم كانوا قد شهدوا لها بنظافة الأصل ، وكمال التنسك .
حيث قالوا : ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ (مريم:28)
ثم لما برزت دعوته قاموا بتكذيبه والسخرية من دعوته واتهامه بالكذب
والسحر قال سبحانه فيهم : ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُبِينٌ ﴾ (الصف:6)
ثم تعدى الأمر بعد ذلك إلى النيل منه ومحاولة قتله عليه السلام
وسعيهم في دمه ، كما قتلوا غيره من الأنبياء والرسل لكن
الله القوي العزيز عصمه بقوته وقدرته من كيدهم قال سبحانه :
﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي
شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ
يَقِيناً (157) .. ﴾ (النساء)
====
واليوم أيها الأحبة في الله
يتعرض نبي الله عيسى عليه السلام إلى أذية من أقوام لا خلاق لهم
فمرة تجدهم يرسمون له صورا فاضحة يجعلونه فيها من الشذاذ
ومرة يطعنون في أمه في شرفها وعفتها عليها السلام
ومرة يسخرون مما ثبت من معجزاته التي أيده الله بها
_لعنة الله عليهم أجمعين _
وهذه عادة أهل الجاهلية الأولى التي لاقى منها الأذية في أيام بعثته
عليه السلام ،تسير عليها الجاهلية الحديثة على أيدي اليهود أعدائه
الأولين ، والصليبيين الذين ادعوا انتماءهم إليه والذين أعلنوا براءة
اليهود من دمه ، ومع ذلك أهانوه عليه السلام بدعاوى حرية التعبير .
====
ونحن أيها المسلمون لا نرضى أن يهان عندنا نبي من أنبياء الله تعالى ،
فكلهم أثنى الله عليهم في كتابه ، وأمرنا بالإيمان بهم ، وجعل التفريق
بينهم آية من آيات الكفر ، وصورة من صور الضلال ، يقول الله
سبحانه : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا
بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ
يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا
لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً(151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَحِيماً (152) ﴾ (النساء)
ما تزال مسؤوليتنا عظيمة أيها الأحبة لنكون نحن
من يطهر الله بنا نبيه عيسى عليه السلام كما قال سبحانه
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا.. ﴾ (آل عمران: من الآية55)
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : " وَأَمَّا مُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ,
فَإِنَّهُ يَعْنِي مُنَظِّفك , فَمُخَلِّصك مِمَّنْ كَفَرَ بِك وَجَحَدَ مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ
الْحَقّ مِنْ الْيَهُود وَسَائِر الْمِلَل غَيْرهَا ... " انتهى
ولقد كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أول مطهر لعيسى
عليه وسلم بعد رفعه وبعد تحريف دينه كما قال عليه الصلاة
والسلام : ﴿ أنا أولى الناس بابن مريم ليس بيني وبينه نبي ﴾
فساهمت هذه الرسالة في الفصل بين عيسى عليه السلام وبين الذين
كفروا بالجفاء عنه من اليهود والذين غلوا فيه فعبدوه من النصارى
وها هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم تثبت أنها الأمة الوسط
التي قبل شهادتها في الأمم كما قال سبحانه : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾
(البقرة: من الآية143)
فقوموا بدوركم يا عباد الله في دراسة سيرة عيسى عليه السلام
وجمع ما ورد عنه في ديننا وعرضه على الناس بخير توضيح وأفضل
بيان إلى أن يأتي عيسى عليه السلام بنفسه فيطهره الله بسيفه من
الكافرين تطهيرا كاملا
====
اللهم تقبل منا محبة جميع أنبياءك ورسلك
اللهم احشرنا في زمرتهم إلى جناتك جنات النعيم
اللهم عليك بالكفرة من أهل الكتاب الذين يصدون عن
سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك
والحمد لله رب العالمين